יום חמישי, 16 במאי 2013


مختصر نشوء الدول الجديدة في اوروبا
بقلم: د.اشرف ابو زرقة

بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى , نشأت دول جديدة على انقاض الدول المهزومة في الحرب .ساد النظام الديمقراطي في معظم هذه الدول الجديدة .من العوامل التي ساهمت على انتشار النظام الديمقراطي. هو سقوط الانظمة والامبراطوريات القديمة ووجود ضرورة في استبدال هذه الانظمة بنظام جديد وتم اختيار النظام الديمقراطي كرغبة في التجديد والاصلاح. كما ان انتصار الدول الديمقراطية ساهم في فرض الديمقراطية على الانظمة الجديدة . كما شجع الرأسماليون والدول المنتصرة هذه الانظمة بسبب خوفها من سيطرة الشيوعيين عليها . وراي الكثير من ان تبني النظام الديمقراطي سيساعد في حل المشاكل القومية والعرقية والدينية الموجودة في هذه الدول .   
بالواقع لم يقم النظام الديمقراطي بحل مشاكل هذه الدول .نرى ان الانظمة الديمقراطية في هذه الدول فشلت في تحقيق اهدافها .من اهم الاسباب لفشل النظام الديمقراطي كان  عدم الاستقرار السياسي بسبب كثرة الاحزاب وعدم حصولها على عدد كافي يؤهلها للحكم ويجعلها تتعاون مع الاحزاب الاخرى .كما ان تعدد القوميات والمذاهب الدينية والثقافات في هذه الدول ساهم هو الاخر في تأجيج الوضع .كما ان تفاقم الازمات الاقتصادية , مثل فقدان القوى العاملة نتيجة الحرب ونفاذ المال والخراب الذي حل بالبلاد بسبب ويلات الحرب العالمية الاولى ادى الى عدم ثقة الناس بهذه الانظمة. كما ان الرجعيين من الانظمة القديمة مثل البرجوازيون والمحافظون والكثير من الضباط القدامى لم يؤيدوا هذه الانظمة لانهم خسروا فيها مكانتهم السابقة .
امثلة على مشاكل الانظمة الجديدة في اوروبا
بولندا
 تعتبر بولندا من الدول العريقة والقديمة في اوروبا الا انها فقدت استقلالها في عام 1815 على اثر الحروب النابليونية وتم تقسيمها بين المانيا وروسيا والنمسا . بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى سنحت الفرصة من اجل بعث هذه الدولة من جديد .صحيح ان اقامة الدولة قد لبى المطالب الوطنية عند شرائح في المجتمع البولندي وخاصة العرق البولندي,  غير انه لم يلبي المطالب القومية والوطنية عند شعوب اخرى , وذلك مثل  الاقلية الالمانية التي قد فصلت عن وطنها الام المانيا . كما عاشت  في هذه الدولة العديد من الاقليات الدينية والقومية الاخرى مثل اليهود والروس والتتر والاوكرانيون . لم يساهم هذا الوضع في وحدة البلاد الوطنية , بل ساهم في وجود احزاب كثيرة منقسمة على نفسها تمثل مصالح مختلفة ولم  توجد كتلة وطنية واحدة التي تستطيع توحيد هذه القوميات والاقليات تحت قاسم مشترك .هذا ادى الى حالة الهيجان السياسي وعدم وجود استقرار سياسي في هذه الدولة . بالإضافة الى ذلك كانت بولندا دولة زراعية غير متطورة وفقيرة .هذه الاسباب جميعها جعلت بولندة فريسة سهلة للألمان والروس في الحرب العالمية الثانية .
تشيكوسلوفاكيا
تم انشاء هذه الدولة على انقاض كل من النمسا والمانيا في عام 1918 . بطبيعة حالها كانت هذه الدولة مكونة من التشيك ومن السلوفاك ومن الالمان واقلية من اليهود .وبسبب هذه المكونات لم يرضى أي طرف بحكم الاخر . فالسلوفاك لم يرضوا بحكم التشيك لهم والالمان فضلوا ان يعيشوا تحت حكم الماني وكانوا ذريعة استخدمها هتلر في النهاية لضم تشيكوسلوفاكيا الى المانيا . مع كل هذه المشاكل , استطاع قائد تشيكوسلوفاكيا المحنك توماس مازريك الذي سمي بابي تشيكوسلوفاكيا بسبب حنكته السياسية ان يوفق بين القوميات المختلفة وينتهج نظام ديمقراطي سليم ويساهم في التطوير الصناعي لتشيكوسلوفاكيا , وذلك حتى وفاته في عام 1937.
يوغوسلافيا
معناها جنوب ارض الشعوب السلافية .اعتبر اسمها رمزا ع لفكرة توحيد الشعوب السلافية تحت مظلة دولة واحدة . انشات في عام 1918 كدولة ملكية دستورية ديمقراطية . وقد تألفت من شعوب كثيرة , مثل الصرب , الكروات , السلوفان, البوسنيون  والمكدونيون . لم يستمر هذا النظام الديمقراطي في الوجود. ففي عام 1928 استغل  ملك يوغوسلافيا عدم الاستقرار السياسي في البلاد ليقوم بتعطيل الدستور وتحويل يوغوسلافيا الى دولة ملكية استبدادية .
جمهورية فايمر الالمانية
تعتبر هذه الجمهورية من اكبر الامثلة على فشل الانظمة الديمقراطية الناشئة في اوروبا بعد الحرب العالمية الاولى . تم انشاء هذه الجمهورية على انقاض ما تبقى من الامبراطورية الالمانية (الرايخ الثاني) .سميت على اسم مدينة فايمر حيث تم هناك اعلان الدستور الديمقراطي للجمهورية الجديدة . في هذا الدستور تم ضمان الحريات المختلفة مثل حرية التعبير والتفكير والانتخاب وحرية الاحزاب . كان فيه مبدا فصل السلطات , التنفيذية , التشريعية , القضائية . كما منح الدستور حقوق اجتماعية واقتصادية للمواطنين وخاصة في حال عجزهم او ضعفهم الاقتصادي. كان على هذه الجمهورية ان تواجه صعوبات اقتصادية وسياسية كبيرة وخصوصا بانه اجبرت المانيا على دفع تعويضات خيالية للحلفاء وتم سلخ اراضي واسعة منها لحساب دول اخرى وفي ليلة وضحاها اصبح الكثير من الالمان يعيشون تحت حكم اجنبي عنهم . ازاء هذه الظروف الصعبة تشكلت العديد من الاحزاب السياسية في المانيا .مثل : الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي كان من اكبر الاحزاب والحزب الشيوعي الذي تخوف منه الرأسماليون والحزب الكاثوليكي الذي كان يعبر عن مصالح البرجوازيين وحزب العمال وحزب الشعب الالماني الذي نجح بالوصول الى الحكم في عام 1923.
عانت جمهورية فايمار حتى عام 1923 من مشاكل اقتصادية فظيعة بسبب نتائج الحرب التي تمثلت بالخسائر المالية وانخفاض قيمة المارك الالماني والتعويضات الضخمة وخسارتها للكثير من المناجم والثروات الطبيعية نتيجة سيطرة الدول الاخرى عليها .
منذ مطلع عام 1924 وحتى عام 1929 , عاد بعض من الاستقرار المالي والسياسي وتحسنت حالة البلاد بسبب المساعدات الاميركية لها وبفضل الادارة السليمة والشخصية القيادية للمستشار الألماني (بمثابة رئيس حكومة ) غوستاف شترزمان .غير انه تأزم الوضع الاقتصادي والسياسي لألمانيا في عام 1929 نتيجة الازمة الاقتصادية الكبرى في العالم ونتيجة وفاة شترزمان .

אין תגובות:

הוסף רשומת תגובה